بنوك 24 بوابة معرفية وخدمية وتوعوية متخصصة معنية بالخدمات والمنتجات والأخبار البنكية، والأخبار الاقتصادية وفق القواعد المهنية الأصيلة...
مساحة 1 جانب الموقع معلق
مساحة 2 جانب الموقع معلق

عبد المحسن‭ ‬سلامة يكتب: «تصحيح مسار» التريليون جنيه سنوياً!

أكثر من تريليون جنيه سنوياً هى قيمة الواردات المصرية التى يتم استيرادها من الخارج، مما كان يستلزم معه ضرورة إعادة النظر فى كيفية ترشيد تلك المبالغ الضخمة فى إطار برنامج الإصلاح الاقتصادى الطموح الذى تتبناه الدولة منذ نحو 6 سنوات، والبدء فى مرحلة جديدة من مراحل الإصلاح الاقتصادى قوامها ترشيد الاستيراد العشوائى، ودعم الصناعة الوطنية، وتوفير فرص عمل جديدة للشباب.

لا شك أن نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادى كان وراء قدرة الدولة المصرية على مواجهة جائحة «كورونا» وتداعياتها الخطيرة على الاقتصادات العالمية، وانعكس ذلك فى أن يكون الاقتصاد المصرى واحدا من أعداد قليلة من الاقتصادات العالمية، لا تزيد على أصابع اليد الواحدة، نجحت فى تحقيق نمو إيجابى بعد أن تجاوزت النمو السلبى الذى غرقت فيه معظم الدول الأخرى.

تعافى الاقتصاد المصرى من جائحة «كورونا» جاء سريعاً، مما حافظ على تصنيف مصر الائتمانى «B2»، والإبقاء على النظرة المستقبلية المستقرة، وهو ما انعكس على ثقة المؤسسات الدولية فى صلابة وقدرة الاقتصاد المصرى، والإشادة به كنموذج فى الصمود ضد جائحة “كورونا”، والتعافى السريع منها.

فى الأسبوع الماضى، وعقب اجتماع الحكومة فى مقرها الجـديد بالعاصمة الإدارية الجديدة، عقد د.مصطفى مدبولى مؤتمرا صحفيا مهما، أعلن فيه أن الاقتصاد المصرى حقق نموا فى الربع الأول من العام المالى الحالى 9٫8٪، وفى الربع الثانى 8٫3٪، وبهذا يكون متوسط نمو النصف الأول من العام المالى الحالى 9٪.

ذكرنى هذا الرقم بمعدلات النمو فى سنوات ما قبل 2011، وتجاوزه لتلك المعدلات على الرغم من مواجهة الاقتصاد المصرى «تحديات جسام» بعد 2011، ثم جاءت جائحة «كورونا» لتزيد المتاعب والأوجاع، وتضرب الاقتصادات العالمية بعنف وبلا هوادة.

أعتقد أن كلمة السر التى وقفت وراء كل تلك النجاحات الاقتصادية هى خطة الإصلاح الاقتصادى التى تبناها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى 2016، وأصر عليها، فكانت البداية لعمل اقتصادى شاق ودءوب على مدى السنوات الست الماضية، استرد فيها الاقتصاد المصرى عافيته على الرغم من تحديات «كورونا» التى لم تكن فى «الحسبان» عالميا ومحليا، وهبطت على البشرية كلها تحصد الأرواح، وتدمر الاقتصادات بلا هوادة.

مرة ثانية، وبعد نجاح تحدى إطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادى فى 2016، ظهرت «براعة» الرئيس عبدالفتاح السيسى فى التوازن بين «الإغلاق المحسوب»، لمواجهة الجائحة، واستمرارية دوران عجلة العمل والإنتاج، واتخذ القرار السليم بعدم توقف العمل والإنتاج مع الالتزام بالإجراءات الاحترازية والوقائية، وهو التحدى الذى نجحت فيه مصر على مستويين:

المستوى الأول: هو المستوى الصحى، حيث نجح النظام الصحى المصرى فى التعامل مع الجائحة، ولم نشهد انهيار النظام الصحى كما حدث فى دول أخرى أكثر تقدمًا، اقتصاديا وصحيا، وظل النظام الصحى المصرى قادرًا على التماسك والصمود فى مواجهة الأزمة، ولم تدخل مصر فى أى مرحلة من مراحل انتشار الوباء ضمن المناطق الأكثر خطورة.

المستوى الثانى: هو المستوى الاقتصادى، وفيه نجحت مصر فى الحفاظ على معدلات النمو الإيجابى للاقتصاد المصرى، حيث بلغ نحو 3.6% فى 2020، وهو عام الجائحة، ولم تشهد مصر أزمات كارثية حادة مثلما حدث فى العديد من بلدان العالم مثل اختفاء السلع أو ارتفاع الأسعار بشكل جنونى.

هذا النجاح كان محط اهتمام وثقة المؤسسات الاقتصادية الدولية التى أشادت بما تحقق، وتوقعت استمرار ارتفاع معدلات النمو، لتصل إلى 5.5% خلال العام الحالى.

المفاجأة السارة، التى أعلنها الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، الأربعاء الماضى، هى تجاوز الاقتصاد المصرى نسبة النمو المتوقعة، وهى 5.5%، وارتفاعها إلى أكثر من 6%، وهو ما يجعل نسبة نمو الاقتصاد المصرى الأعلى من نوعها على مستوى العالم.

ولأن برنامج الإصلاح الاقتصادى المصرى طموح ومتواصل، ويستهدف التحول من الإصلاح المالى والنقدى إلى الإصلاح الهيكلى، فقد كان من الضرورى إعادة النظر فى سياسة الاستيراد الحالية، بما يسهم فى تحقيق التحول إلى الإصلاح الهيكلى، والتوسع فى التصنيع، وزيادة معدلات تحقيق الاكتفاء الذاتى من السلع والخدمات، وفى الوقت نفسه زيادة الصادرات، لتحقيق الرقم المستهدف لها، وهو 100 مليار دولار، وفى الوقت ذاته الحد من الواردات، خاصة تلك الواردات التى يمكن ترشيدها، واستبدال المنتج المحلى بها، توفيرا للعملة الصعبة، ودعما للمنتجات المحلية، بما يؤدى فى النهاية إلى إتاحة فرص عمل جديدة، وتخفيض نسب البطالة بين الشباب.

بنظرة بسيطة على أرقام الواردات، نجد أنها تتجاوز تريليون جنيه سنويا، وهو مبلغ ضخم يكفى لتمويل أكثر من مليونى فرصة عمل، لكنه للأسف يسهم الآن فى توفير اللازم للأيدى العاملة الأجنبية، ويحرم الأيدى العاملة المصرية من فرص العمل والتشغيل لمصلحة العمالة الأجنبية فى الدول التى نستورد منها بكل هذه المبالغ.

صحيح لا يمكن أن يكون هناك إلغاء للواردات تماما، ولم يقل أحد ذلك، لكن من المهم ترشيد رقم الواردات، وإعادة جدولته من جديد، بما يحقق توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين، من الأغذية والأدوية ومستلزمات الإنتاج، وفى الوقت نفسه ترشيد السلع الاستهلاكية والاستفزازية، ومحاربة تهريب الأموال والعملة الصعبة إلى الخارج.

من هنا جاء قرار البنك المركزى، الأسبوع الماضى، بوقف التعامل بمستندات التحصيل فى تنفيذ جميع العمليات الاستيرادية بدءا من أول مارس المقبل، والعمل بالاعتمادات المستندية فقط. واستثنى قرار البنك المركزى فروع الشركات الأجنبية، والشركات التابعة لها، وسمح للبنوك بقبول مستندات التحصيل الواردة عن بضائع تم شحنها قبل صدور هذا القرار.

هذا القرار أثار ضجة لدى بعض المستوردين الذين اعتادوا استيراد كل شىء وأى شىء، وإغراق الأسواق بالسلع الاستفزارية والاستهلاكية، وغير المطابقة للمواصفات القياسية.

هذه الضجة واجهها طارق عامر، محافظ البنك المركزى، بثبات ــ كعادته ــ مشددا على أنه لا رجعة عن القرار، وأن البنوك سوف تقوم بتطبيق القرار بكفاءة، ودعا رجال الأعمال إلى ضرورة الإسراع فى توفيق أوضاعهم، وعدم إهدار الوقت فى جدال لا علاقة له باستقرار التجارة الخارجية لمصر، وسلامة أدائها.

استثنى البنك المركزى 12 سلعة من القرار الجديد، وهى: الأدوية، والأمصال، والكيماويات الخاصة بها، وبعض السلع الغذائية مثل اللحوم والدواجن والأسماك والشاى، وكذلك الشحنات الواردة بالبريد السريع، والشحنات حتى مبلغ 5000 دولار أو ما يعادلها بالعملات الأخرى.

قرار البنك المركزى يصب فى إطار حوكمة عمليات الاستيراد، وتفعيل منظومة التسجيل المسبق للشحنات التى سيبدأ أيضا تطبيقها بصورة الزامية بدءا من أول مارس المقبل.

أعتقد أن قرار محافظ البنك المركزى الأخير بوقف التعامل بمستندات التحصيل، ومن قبله قرار وزير المالية بتطبيق منظومة التسجيل المسبق للشحنات، يصبان فى خانة واحدة، وهى ترشيد الاستيراد، بما يخدم الصناعة المصرية، ويزيدان فرص الإنتاج المحلى، وزيادة الصادرات، لأنه لن تكون هناك صادرات بدون إنتاج محلى، ولن يكون هناك إنتاج محلى إلا إذا توافرت له عناصر ومقومات النجاح، ومنحه الأولوية فى موطنه أولا، لينطلق بعد ذلك إلى التصدير للخارج.

للأسف الشديد قفزت الواردات المصرية خلال العام الماضى 16% تقريبًا، وبلغ إجمالى قيمة الواردات ما يقرب من 80 مليار دولار، وجاءت الصين على رأس قائمة أعلى 10 دول تصديرًا إلى مصر، ثم جاءت الولايات المتحدة الأمريكية فى المركز الثانى، ثم السعودية، تليها ألمانيا، ثم تركيا وروسيا وإيطاليا والهند والإمارات، وأخيرًا البرازيل.

أخيرًا.. يبقى التأكيد على أن القرارات الأخيرة للبنك المركزى بوقف التعامل بمستندات التحصيل، ومثلها قرارات وزارة المالية بتطبيق نظام التسجيل المسبق للشحنات، تستهدف جميعها إطلاق مرحلة جديدة من مراحل الإصلاح الاقتصادى قوامها دعم الصناعة الوطنية، وترشيد الاستيراد، والالتزام بقواعد الشفافية والحوكمة فى الاستيراد، بما ينعكس فى النهاية على جودة السلع المستوردة، ووقف عمليات الإغراق بالسلع غير المطابقة للمواصفات، وفى الوقت نفسه خلق المزيد من فرص العمل للأيدى العاملة المصرية بدلًا من تمويل فرص العمل فى الدول الأجنبية على حساب الأيدى العاملة المصرية، وهو الأمر الذى لم يعد مقبولا أو معقولا فى إطار ما تشهده مصر من خطوات اقتصادية جبارة، يشهد لها كل مؤسسات النقد والتمويل العالمية والإقليمية.

رابط مختصر:

استطلاع رأي

بعد خفض الفائدة الأمريكية.. ما هي توقعاتك لسعر الفائدة في اجتماع البنك المركزي المصري القادم؟

عرض النتائج

جاري التحميل ... جاري التحميل ...

اترك رد